Saturday, May 25, 2019

Filled Under:

al ιjтιнaadυ ғι Sya'ban

AL IJTIHAADU FI SYA’BAAN


الاجتهاد في شعبان
والمنحة الربانية

 إن الحمد لله تعالى نحمده   ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا 
وسيئات أعمالنا،  من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا
 ِِإله إلا الله وحده لا شريك له،  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....

  أما بعد...،
  على الإنسان منَّا أن يجتهد في شهر شعبان، فيُكْثِر فيه من فعل الخيرات، لكن يبقَى السؤال.
لمــاذا الاجـتـهــاد فـي شـعـبــان؟
الاجتهاد في شعبان يكون لأمور منها:-
أولاً: حتى يتعود الإنسان منَّا فعل الخيرات وترك المنكرات فيكون له سجية وطبع وعادة، والأمر كما قال النبي صل الله عليه وسلم:
  "الخير عادة والشر لجاجة، ومَن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين" (أخرجه ابن ماجة بسند صحيح)
ومن الفقه في الدين عمل الخيرات في كل الأوقات، وخصوصاً الأوقات الفاضلات.
ثانياً: الاجتهاد في شعبان يكون استعداداً لرمضان:
وكما هو معلوم أن رمضان من الأوقات الفاضلات، ومن النفحات الربانية على الأمة المحمدية، والأمر كما قال خير البرية: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها مَن يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يُؤمِّن روعاتكم" (أخرجه ابن أبى الدنيا والطبراني من حديث أنس)
ولقد بيَّن النبي في هذه الأحاديث أنه ينبغي على الإنسان منَّا أن يتعرض لهذه النفحات الربانية، والمنح الإلهية. وشهر رمضان من النفحات الربانية، والمنح الإلهية على الأمة المحمدية.
ـ
فمن أراد أن يفوز بجوائز رمضان فليستعد لها من الآن  
فإنه لا يحصل على جوائز رمضان وهذه المنح الربانية، إلا لمن استعد لها من شعبان.
ـ ومن المعلوم أن الفرض يسبقه نافلة ويعقُبه نافلة, والنافلة التي تتبع الفرض وتكون بعده إنما تكون لجبر النقص الذي تم في الفرض " فمن تَدَّرب في شعبان على الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والصدقة، كان كذلك في رمضان. ومَـن لم يتعود من الآن على فعل الخيرات؛ فإنه سيخرج من رمضان كما دخل فيه، وله حظ ونصيب من هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم:
"رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغْفر له"
ويخرج من رمضان وهو غير راض عن نفسه، ويُمَنِّي نفسه أنه في العام القادم سيكون أكثر اجتهاداً ونشاطاً. لكن مَن يضمن عمره؟! ومَن يضمن قلبه؟!
فالعمر بيد الله, كما أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء, فربما كتب الله له البقاء حتى أدرك رمضان القادم كما كان يتمنَّى, لكن هل يضمن قلبه؟! فإذا كان خرج من رمضان وهو موسم المغفرة سفر اليدين, فمتى سيغفر له إن لم يغفر له في رمضان فمتى؟! إن لم تثمر الشجرة في أوانها فمتى تثمر؟!
فهيا... هيا من الآن نستعد لموسم الغفران.
والاجتهـاد في شعبان يكون عـن طريق:-

  1. المحافظة على الفرائض، وعدم التفريط فيها، والإكثار من النوافل:
فقد أخرج البخاري من حديث أبى هريرة أن النبي  قال: قال الله:
"وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورِجْله التي يمشى بها، وإن سألني لأعطينَّهُ، ولئن استعاذني لأعيذنَّهُ"
وكما أن مجاهدة النفس، والإكثار من النوافل سبب لمحبة الله, فهي كذلك سبب في سكنى أعلى درجات الجنة مع الحبيب النبي.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي:
"أن النبي  قال له: سل، فقلت: أسالك مرافقتَكَ في الجنة، قال: أوغير ذلك. قلت: هو ذاك. قال: فأعنِّي على نفسك بكثرةِ السجود"فبكثرة السجود يصل المرء إلى هذه الأشواق العالية من مصاحبة خير البرية في الجنة, ولا تكون هذه المصاحبة بالأماني والإدِّعاءات الكاذبة.

  1. الإكثار من الصيام في شعبان:
    فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
"كان رسول الله  يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله r استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً من شعبان"
  1. وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها- قالت:
" لم يكن النبي  يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله"
وفي رواية في الصحيحين: "كان يصوم شعبان إلا قليلاً"
ر وى ابن وهب عن عائشة  ـ رضي الله عنها ـ قالت:
و الذي يدفعك للإكثار من الصيام فيه، وفي غيره أن تعلم فضل الصيام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سعيد الخدري  قال: قال رسول الله:
"لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"
هذا بصيام يوم واحد فقط نافلة، في حين أن رب العالمين يقول في كتابه الكريم:
{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }(آل عمران:185) فما بالك بمَن زحزح وجهه عن النار سبعين خريفاً؟!!
تنبيه: ذهب الشافعية: إلى عدم جواز الصيام بعد النصف من شعبان
واستدلوا بالحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي عن أبى هريرة :
"أن النبي  قال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"بينما ذهب جمهور أهل العلم: إلى جواز الصيام بعد النصف من شعبان.
وحكم أهل العلم على الحديث السابق بـ"النكارة", (فهو حديث منكر), وحكم عليه البعض بالشذوذ؛ لأنه يخالف الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة t:
"أن النبي  قال لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين, إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه؛ فليصم ذلك اليوم"
وفى هذا الحديث دليل على جواز الصيام بعد النصف من شعبان
ويدل على ذلك أيضاً: الأحاديث المتقدمة في صفة صيام النبي في شعبان.
أضف إلى هذه الأدلة حديثاً آخر أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت:"ما رأيت النبيr يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان"
وفي رواية أخرى عند أبي داود أنها قالت:"أنه  لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان"   (صحيح الترغيب:1025، صحيح أبي داود:2048)
فالراجح: هو قول الجمهور على جواز الصيام بعد النصف من شعبان, على أن يتوقف عن الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين، إلا صوماً كان يصومه أحدهم، أي أنه إذا كان من عادته صيام الاثنين والخميس فجاء رمضان يوم الثلاثاء، فلا مانع أن يصوم يوم الاثنين، وهو ما قبل رمضان بيوم, فهذا جائز بنص الحديث. والله أعلم.

  1. ويستحب الإكثار من الصدقة، وقراءة القرآن في شعبان:
    يقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ كما في "لطائف المعارف":
"والصيام في شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة, ـ ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان، شُرِع فيه ما شُرِع في رمضان، من الصيام، وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن
قال سلمة بن كهيل: "كان يقال: شهر شعبان شهر القراء"
وكان حبيب بن أبى ثابت- رحمه الله- يقول: "إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء "
وكان عمرو بن قيس الملائي: "إذا دخل شعبان أغلق حانوته, وتفرغ لقراءة القرآن"
يكفيك أن تعرف أخي الحبيب... أن لك بكل حرف تقرؤه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود:
" أن رسول الله قال: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "آلم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".
وفضائل القرآن كثيرة كثيرة لا يسعنا ذكرها في هذا المقام.

ثالثاً: الاجتهاد في شعبان من أجل أنه ترفع فيه الأعمال:
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أسامة بن زيد قال:
" قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الإعمال فيه إلى رب العالمين, فأحِبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم"
وفي رواية أخرى عند البيهقي في شعب الإيمان من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي  قال:
" شعبان بين رجب وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم" (صحيح الجامع) ، (الصحيحة:1898)

فحيث إن رجب من الأشهر المحرمة، ورمضان من الشهور المعظمة، فإن الناس يجتهدون فيها، فإذا ما جاء شعبان ترك الناس العبادة، وفتح الشيطان لهم باب التسويف، فيُحدِّث أحدهما نفسه فيقول: سأجتهد في رمضان، وسأفعل... وسأفعل, فيفتح لهم الشيطان باب التمنِّي والأمل، حتى يقعدهم عن العمل في شعبان، ويَدْخُلُ عليهم رمضان وهم خائبون، وينصرف عنهم وهم خاسرون، ويُمنِّيهم الشيطان أنهم في العام القادم سيُعوِّضون.

وقول النبي: "وهو شهر تُرْفَع الأعمال فيه إلى رب العالمين, فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم" فهذا أدعى لقبول العمل.
ـ ولذلك كان النبي يحب أن يصوم الاثنين والخميس لأن الأعمال ترفع فيهما
فقد أخرج الترمذي من حديث أبى هريرة أن النبي قال:
"تُعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس، فأحبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائم"  
وكان الضحاك ـ رحمه الله ـ يبكي آخر النهار ويقول:
"لا أدري ما رُفِع من عملي, يا من عمله معروض على مَن يعلم السر وأخفي لا تبهرج، فإن الناقد بصير

فـائــدة:
ورفع الأعمال إلى رب العالمين على ثلاثة أنواع:-
النوع الأول: أن تُرفع الأعمال على الله تعالى رفعاً عاماً كل يوم
أخرج الإمام مسلم عن أبى موسى الأشعري قال:
"قام فينا رسول الله بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه، يرفع الله عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه"
النوع الثاني: رفع الأعمال إلى الله تعالى يوم الاثنين والخميس، وهذا عرض خاص غير العرض العام كل يوم
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده: "أن رسول اللهr كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، فقيل له (أي سُئل عن ذلك): قال: إن الأعمال تُعرض كل اثنين وخميس فيُغْفَر لكل مسلم ـ أو لكل مؤمن ـ إلا المتهاجرين، فيقول أَخِّرهما"
وعند الترمذي بلفظ: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُّ أن يُعْرض عملي وأنا صائم"
النوع الثالث: هو رفع الأعمال إلى الله تعالى في شعبان  
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي قال عن شهر شعبان:
"وهو شهر تُرفع الأعمال فيه إلى رب العالمين  فأحبُّ أن يُرْفَع عملي وأنا صائم"
ورفع الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائماً أدعى إلى القبول عند الله تعالى ـ كما مرّ بنا ـ
رابعاً: الاجتهاد في شعبان حتى لا تكتب فيه من الغافلين:
فقد بيَّن النبي الأمين: أن شهر شعبان شهر يَغفلُ فيه الناس
فقال كما عند الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-:
"ذلك شهر يغفل الناس عنه"
وإذا غفل الناس عن شعبان، لم يكن للمؤمنين أن يغفلوا عنه، فإن المؤمنين مُقْبِلون دوماً على ربهم، لا يغفلون عن ذكره، ولا ينقطعون عن عبادته، فهو سبحانه الذي يُدبِّر شئونهم، ويصلح أحوالهم، ويأخذ بنواصيهم إليه أخذ الكرام عليه, فالمؤمنون يعلمون أن البعد عن الله سبب الشقاء والخسران،
كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }  (المنافقون:9)
فلذلك هم دائماً وقوف ببابه، يلذون بجنابه, عزهم في الانكسار والتذلل له، لذَّتُهم في مناجاته, حياتهم في طاعته وعبادته.
ويزدادون طاعة وعبادة في مواسم الطاعات، ويتعرضون للنفحات لعل الله أن يرزقهم الجنات، وينجيهم من اللفحات.
ويزدادون طاعة وعبادة كذلك في وقت الهرج, وحين يغفل الناس
ففي هذا الشهر الذي قال عنه النبي:"ذلك شهر يغفل الناس عنه"
ينبغي للمؤمنين أن يكونوا في شأن غير شأن الناس, الذين هم أهل الغفلة.
كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:
"المؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزِّها، له شأن وللناس شأن".
فعلى المؤمنين في وقت الغفلة أن يزدادوا قرباً وطاعة لله تعالى، وهذا ما كان يَحثُّ عليه النبي.
واعلم أخي الحبيب... أن العمل وقت الغفلة محبوبٌ لله تعالى, لذا حثَّ عليه النبيr.
فاستحب النبي  القيام وسط الليل وقت غفلة الناس فقد أخرج الترمذي أن الحبيب النبي قال لبعض أصحابه: "إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن"
فهذا الوقت هو وقت نوم الناس وغفلتهم, فإذا قام المؤمن لرب العالمين ليفوز بجنة النعيم, فلا يستوي هو ومن آثر الوسادة على العبادة, وكما قيل: "من أراد الراحة، تَرَكَ الراحة "
ففي هذا الشهر الذي يغفل فيه الناس، عليك أخي الحبيب أن تكون أنت المقبل حال فرار الناس، والمتصدق حال بخلهم وإحجامهم وحرصهم... وأن تكون القائم حال نومهم وغفلتهم... وتكون الذاكر لله تعالى حين إعراضهم، فإن هذا سبب لمحبة الله تعالى لك.
واعلم أخي الحبيب... أن العمل على طاعة الله وقت غفلة الناس له فوائد منها:-
  1. أنه أعظم للأجر:
فالعبادة في وقت غفلة الناس أشق على النفس، وأعظم الأعمال وأفضلها أشقها على النفس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بمن حولها فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها "        
وعند الطبراني بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي  قال:" إن من ورائكم زمان صبر، للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم"
وفي رواية:" للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قيل:  يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم."
فتضاعف أجر الذين يتفردون بطاعة الله في وقت لا يجدون فيه معين، وتكثر فيه الغفلة، ويعم البلاء، ويكثر الفساد، فهؤلاء الغرباء الذين دعا لهم النبي  فقال كما عند الإمام مسلم وأحمد:
" بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء " ـ وفي رواية:" قيل ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس" ـ وفي رواية:" يصلحون ما أفسد الناس "(السلسلة الصحيحة: 1273)
وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار  أن النبي  قال:
" العبادة في الهرج كالهجرة إليّ" وعند أحمد بلفظ: " العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ"
وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله  مؤمناً به متبعاً لأوامره، مجتنباً لنواهيه".                                    

شـعـبــان والمـنـحـة الـربــانـيـة
فمن هذه النفحات الربانية على الأمة المحمدية ( ليلة النصف من شعبان) وما أعظمها من ليلة ؟!
فقد أخرج ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير والأوسط، وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن معاذ بن جبل  أن النبي  قال:"يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن " () (السلسلة الصحيحة جـ 3 / 1144)
ـ مشاحن: أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له.
أخرج ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري  أن النبي  قال:
"إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن"      (صحيح الجامع: 1819)
وأخرج البزار في مسنده عن أبي هريرة أن النبي  قال:
"إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن"(السلسلة الصحيحة:جـ 3)
وأخرج البيهقى في شعب الإيمان، والطبراني في الكبير، وحسنة أن النبي  قال:
" إذا كان ليلة النصف من شعبان، اطَّلع الله إلى خلقه ؛ فيغفر للمؤمنين، ويُملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه( صحيح الجامع: 771)
وعند البيهقي بسند صحيح عن كثير بن مُرة  عن النبي  قال:
" في ليلة النصف من شعبان يغفر الله U لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن"
ولا يفوز بهذه الجائزة العظيمة، والمنحة الربانية الجليلة إلا لمن خلُص توحيده من الشرك، وخلُص صدره من الشحناء والغل والحسد.
ـ فكل منا ينظر إلى حال نفسه، فمن كانت فيه إحدى هاتين الآفتين أو كلتيهما ؛ فليتخلص منهما الآن قبل ليلة النصف من شعبان، فليتخلص من الشرك، وليخلص التوحيد ويفرد الله بالعبادة، وليتخلص من الشحناء وليخلص قلبه ليصبح سليم الصدر.
فالشرك والشحناء من الذنوب المانعة من المغفرة في هذا الشهر، وفي غيره.
فعليك أخي الحبيب... أن تتخلص من الشرك
فهو من أعظم الذنوب عند الله تعالى، وكذا قتل النفس والزنا،
  • فالـشـرك: هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إذا مات صاحبه عليه
ك ما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ... }   (النساء: 48 ، 116)  
وقد كثر الشرك وعمَّ وطمَّ، فتعلق البعض بالأنداد والشركاء، وتعلق قلبه بغير الله.
فطاف بالقبور ودعا المقبور ونذر له واستعان به، وخاف منه، وتوكل عليه، واستغاث به
ومن صور الشرك: الحلف بغير الله ( وهو شرك أصغر)
ومن صور الشرك في هذا الزمان: الطيرة: وهو ما يعرف بالتشاؤم، ولبس الحظاظة، والخرزة الزرقاء، وقرن الفلفل الأحمر، والخمسة وخميسة، وحدوة الحصان، ونجمة البحر، وتعليق الحذاء على السيارات، ورش الملح في المناسبات... وغير ذلك من الشِِرْكيات التي لا ترضي رب الأرض والسماوات.
  • أما الشحناء
وهي حقد المسلم على أخيه المسلم بغضاً له ولهوى نفسه. فعلى الإنسان أن يتخلص منها، فهي المانعة من المغفرة، ليس في ليلة النصف من شعبان فقط، بل في جميع أوقات المغفرة والرحمة.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي  قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيُغْفَر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا"
فمن لم ينزع الشحناء من صدره حتى يفوز بهذه الجائزة العظيمة في ليلة النصف من شعبان: وهي مغفرة الرحمن، أتراه يتحصل على المغفرة في رمضان ؟! كيف وقد فاتته في موسم الغفران.
فهيا... هيا من الآن... أخي الحبيب... كبِّر على الشحناء أربع تكبيرات، اصطلِح مع مَن خاصمته، وأبدأ أنت بالسلام حتى تكون من خير الأنام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله r قال:
" لا يحل لمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. "
وقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } )
فهيا... هيا صِل مَن قطعك، واعف عمَّن ظلمك، واعط من حرمك " كما وصاك النبي
هيا... هيا اعملوا بوصية رب العالمين، حيث قال في كتابه الكريم:{فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ }
أي: أصلحوا حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع.
هذا ما يريده منَّا رب العالمين، وأما ما يريده الشيطان اللعين، فقد أخبرنا عنه رب العالمين فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء} المائدة: 91)
فمَن تطيع؟! قبل أن تجيب اسمع هذا الحديث:
حديث أخرجه أبو داود وأحمد والبخاري في الأدب والترمذي من حديث أبى الدرداء قال: قال رسول الله:
"ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة ".
هيا... هيا اعملوا بوصية الرسول الأمين.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس  أن رسول الله  قال:
" لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكُونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث"
فهل يتصور بعد هذا الكلام أن يكون في قلبك شحناء أو بغضاء لأحد؟!.

ـ إذا قلت مازلت أجد هذا في صدري فأنا أوصيك بما وصَّى به رسول الله  حيث قال:
"ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر ـ أي حقده وحسده ـ قالوا: بلى يا رسول الله، قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر".
ـ وإذا قلت لي: ذهب عني ما أجد وأصبحت سليم الصدر، ولا أحمل في قلبي غلاً، ولا حقداً، ولا غشاً، ولا حسداً، ولا شحناء، ولا بغضاء لأحد... والحمد لله
فأنا أقول لك: أبشر فلقد أصبحت أفضل الناس.
فقد أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال:
"قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان. قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو النقي الذي لا إثم فيه، ولا بغي ولا غل ولا حسد"                                       
ـ مخموم القلب: طاهر القلب نظيفه.
وأبشرك وأقول لك: إن سلامة صدرك لإخوانك سبب لدخولك الجنة.
ف قد أخرج الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك  قال:
" كنا جلوساً مع رسول الله فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
ف طلع رجل من الأنصار تنطف لحيته(1) "من وضوئه"، وقد تعلق نعليه في يديه الشمال فلما كان الغد قال النبي  مثل ذلك: فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى.
ف ل ما كان اليوم الثالث: قال النبيrمثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالة الأولى
فلما قام النبي  تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص (أي تابع الرجل)، فقال: إني لاحيت أبي(2)، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمض فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلَّب على فراشه ذكر الله  حتى يقوم لصلاة الفجر.
قا ل عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً. فلما مضت الثلاث ليالٍ، وكدت أحتقر عمله. قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكني سمعت رسول الله  يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوى إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ، فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه.، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق.
(1) تنطف لحيته: يتساقط منها الماء.                   
(2) لاحيت أبي: أي نازعته.
فهيا أخي... هيا ... طهر قلبك وكن سليم الصدر لإخوانك لتسعد في الدنيا والآخرة، ودائماً وأبداً
ردِّدْ كما كان أسلافك يرددون:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }(الحشر: 10)
نسأل الله أن يُؤلِّف بين قلوب المسلمين، ولا يجعل فيها غلاً ولا حسداً، وأن يطهِّرها من الشحناء والبغضاء ... آمين.
ليلة النصف من شعبان وما يتعلق بها من بدع وخرافات:
ذهب بعض الناس: إلى تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام وقيام دون غيرها، وهذا لا أصل له، ومن قال بخلاف هذا: فمستنده أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنها حديث:
"يا علي مَن صلَّى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات، إلا قضى الله له كل حاجة".
قال الإمام الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة": " هذا حديث موضوع " وكذا أخرجه ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات".

وقال الإمام القتني  في "تذكرة الموضوعات":
"ومما أُحدث في ليلة النصف (الصلاة الألفية) مائة ركعة بالإخلاص، عشراً عشراً بالجماعة، واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد، ولم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع، ولا يغتر بذكره لها صاحب القوت والإحياء... وغيرهم، ولا بذكر الثعلبي إنها ليلة القدر. أهـ  ( السنن والمبتدعات للشقيري صـ 128)

وحديث: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله تبارك وتعالى ينـزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفرٍ فأغفر له ؟ ألا مسترزقٍ فأرزقه ؟ ألا مبتلى فأعافيه؟ ألا سائل فأعطيه ؟ ألا كذا.ألا كذا ؟ حتى يطلع الفجر".                                                         (حديث موضوع أيضاً)


نسأل الله أن يكتب لنا القبول، فاللهم اجعل عملنا كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب

0 komentar:

Copyright @ 2013 IKATAN KELUARGA BESAR HAJI ABU BIN HAJI RAIS.